هناك من صرف الله قلوبهم عن هذا الدين ولكن نجد فيهم تمسكا بالأخلاق الموجودة لدينا في تعاليم ديننا كالصدق والوفاء والدقة في المواعيد وغير ذلك من هذه الأشياء ألا ترى أنا نحن أولى بهذه الأخلاق من غيرنا؟
نشكر السائل على هذا السؤال وهذا يتردد كثيراً ولا سيما في أوساط المثقفين، يقولون: إنكم تتكلمون عن الأخلاق ولا تطبقونها بينما نجد في الدول الغربية التزاماً بالمواعيد ونحو ذلك أولاً: يا إخوة العيب ليس في الإسلام كما قيل:
* نعيب زماننا والعيب فينا *
العيب فينا، نحن الذين قصرنا في الاتصاف بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وقصرنا أيضاً في اتباع الأخلاق الحسنة.
ثانياً: هؤلاء خاصة في الدول الغربية غير المسلمين يتصفون بهذه الصفات أولاً لأهداف مادية في الغالب يريد أن يكسب كسباً مادياً لكي يستطيع الحصول على ذلك تجد أنه ينضبط في مواعيده يلتزم معك بالصدق ونحو ذلك.
لكن حقيقة لنكون صادقين هؤلاء الذين يتصفون بالأخلاق هم- مع الأسف - من أكثر الناس شراسة وعداوة للإسلام وهم أكثر الناس - مع الأسف- دموية ومن يشاهد التاريخ المعاصر يجد أنهم في كثير من الجوانب - نسأل الله العافية- لا يرحمون وعندهم كثير من الظلم وإذا دخلوا بلاد المسلمين يفعلون أشياء لا تحمد عقباها أيضاً انتشرت بينهم كثير من المحرمات الزنا، اللواط، شرب الخمر، المسكرات، الميسر، القمار، فعندهم أشياء كثيرة أفعال عنف عديدة بينهم، فليسوا متصفين بذلك، فمن روائع حضارة الإسلام أنه جبل الناس على الخلق الحسن لكن الناس قصروا في هذا وهذا طبعاً يعاب فيه الناس لا تعاب فيه الشريعة ولا الاتصاف إنما يعاب فيه عدم الالتزام بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقصير الناس في ذلك.
معنا سؤال: يقول السلام عليكم ورحمة الله: كيف يستفيد سيء الخلق باكتساب الخلق الحسن؟
نشكره على تواصله وهذا حقيقة يدل على أن العلم رحم بين أهله فالحمد لله تيسرت وسائل في هذا الزمن لطلب العلم، ويجب علينا - أيها الإخوة- أن نحرص على تطويع التقنية والاستفادة من الوسائل الحديثة التقنية في خدمة العلم وتيسيره للعلماء فقديماً كانوا يرحلون في طلب العلم ويخرجون الشهور والأعوام الآن- ولله الحمد - عبر مواقع الإنترنت وعبر القنوات الفضائية وعبر الأشرطة والمؤلفات العلمية صار العلم رحماً بين أهله، يسأل الأخ عن هذا أقول كما قال الأول:
** وبضدها تتميز الأشياء **
فيستطيع الإنسان أن يكون حسن الخلق إذا عرف أن هذه الصفة الذميمة مجلبة للسيئات ممحقة للبركة فإنه يحرص على اجتناب الكذب، يجتنب الغيبة، يجتنب النميمة، ويحرص على لزوم الصدق فإنه حينئذ يوفق للخير ويستحضر الأجر في هذا وسيرد- إن شاء الله - في أثناء هذه الحلقة الأسباب المعينة على الاتصاف بالآداب الشرعية بتوفيق الله تعالى.
بعد أن استعرضنا فضل حسن الخلق في القرآن والسنة في الواقع هناك تساؤل: كثيراً ما نسمع الآيات والأحاديث النبوية في هذا الجانب لكن هناك نفتقد إلى جانب التطبيق العملي فالآيات والأحاديث التي يحفظها الأبناء كثيرة جدا في هذا الجانب وفي الأخلاق لكن لا تأتي إلى المرئ حتى يطبقها في أرض الواقع فلو وجهت يا شيخ كلمة بأن هذه الأخلاق يجب أن نراها على أرض الواقع حية.
هذه نقطة مهمة جدا وهو أنه لا ينبغي الاكتفاء بقراءة الآيات والأحاديث ولا نقتصر على معرفة هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا دون أن نعمل ويقول عمرو بن قيس وهو تابعي إذا بلغك شيء من الخير فاعمل به ولو مرة تكن من أهله وينبغي لكل مسلم أن يقرن القول بالعمل ولذلك يقول يحيى بن أبي كثير«العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل » والخطيب البغدادي ألف كتاباً اسمه: اقتضاء العلم للعمل فينبغي لكل مسلم أن يعمل والله - عز وجل - يقول: ﴿ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ (3) ﴾ [الصف: 3]،فينبغي للإنسان أن يقول ويعمل ويصدق بهذا ولا يخالف قوله فعله.
النقطة الثانية: ينبغي أن يستحضر الأجر في العمل وأن يستحضر الوزر في ارتكاب السيئات والمحرمات وما يقع بسبب. والنبي - صلى الله عليه وسلم - في الكذب والنميمية وما يتعلق بحصائد الألسنة قال: (وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم ) هذا يدل على عظم الكذب، وأنه يكون سبباً- نسأل الله العافية- الرجل يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا فيهوي بها في النار سبعين خريفاً . وهذا لا شك أنه عذاب عظيم وعقوبة شديدة لمن تأملها بقلب خاشع خائف نسأل الله للجميع السلامة والتوفيق.
هل يوجد لدينا تساؤل من الإخوة؟
ذكرتم حديث (أدبني ربي فأحسن تأديبي )وذكرتم قول شيخ الإسلام - رحمة الله عليه- إنه صحيح المعنى، لكن ليس له إسناد. ما موقفنا من الأحاديث المشابهة لهذه القاعدة؟
هذا سؤال مهم جدا تنبيهي أشكر الأخ السائل عليه يدل على يقظة وفطنة واهتمام وهو أيها الإخوة انتشرت بين الناس أحاديث كثيرة ليست بصحيحة وهذه يسمونها في السنة النبوية الأحاديث المشتهرة وهناك أحاديث تنتشر على ألسنة بعض الناس سواء في بعض الكتب الدراسية أو سواء في اللوحات أو سواء في بعض الصحف والمقالات وهذا طبعاً لو وجه فيه إلى تقصير الناس في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم تتبعهم لتخريج الأحاديث ومعرفة صحيحها من سقيمها لكن لا ينبغي أن نحمل الناس -دائماً- لأنه ليس كل الناس من المتخصصين في السنة أو عندهم قدرة على التخريج مع أنه تيسرت وسائل الاتصال عن طريق الحاسب الآلي ومعرفة صحيحها من سقيمها، مع الأسف يا إخوة تنتشر أحاديث بين الناس يظنون أنها صحيحة مثلا حديث (النظافة من الإيمان) يقولون: هذا حديث.ما هو بحديث، لكن هذا قول من الأقوال فما هو الحديث؟ الحديث (الطهور شطر الإيمان) ولماذا قالوا النظافة حديث؟ لأن الناس يقولون إنه حديث والرسول - صلى الله عليه وسلم -
يقول: (من حدث عني بحديث كذب ) فالرسول - صلى الله عليه وسلم - وصف الحديث الكذب بأنه حديثه فلا مانع أن نقول: إنه حديث لأنه مجرد كلام كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) ﴾ [الزلزلة: 4]، فهذا مجرد كلام يقولون مثلا: نجد في بعض الكتب خاصة الكتب الدراسية «اطلبوا العلم ولو في الصين» هذا ليس بحديث بل هو حديث باطل ولا يمكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر صحابته أن يطلبوا العلم في الصين هي بلد وثنية، لا يمكن. يقولون اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد هذا أيضا يقولون في الأسماء «خير الأسماء ما عبد وحمد» لا (خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن) وهكذا أحاديث كثيرة انتشرت بين الناس مع الأسف كيف أعرفها؟ هناك شباب من الإخوة الدارسين والأخوات الدارسات عبر الشاشات كتب ألفها العلماء في الأحاديث المشتهرة من أفضلها كتابان كتاب اسمه" المقاصد الحسنة فيما اشتهر على الألسنة من الأحاديث" من للإمام السخاوي وكتاب اسمه "كشف الخفى ومزيل الإلباس عما انتشر من الأحاديث على ألسنة الناس" للإمام العجلوني وهو كتاب مطبوع في مجلدين وهو قرابة ألفي حديث فهو حقيقة كتاب مفيد، وطبعاً الإمام السيوطي كعادته يؤلف في كل فن له كتاب اسمه "الدرر المنتثرة من الأحاديث المنتشرة" كتاب قيم ومفيد في هذا .
الآن نتناول المحور الرابع: الأساب المعينبة على حسن الخلق
أول سبب: قراءة الآيات القرآنية وتدبرها: ينبغي علينا أن نقرأ القرآن قراءة متدبرة لا نكتفي بالقراءة النظرية أو البصرية فقط باللسان بل لا بد أن نجمع بين اللسان والجنان فنجمع بين القول والعمل وأن نتدبر الآيات القرآنية فكلما قرآت آية فيها حث على الاتصاف بصفة من الأخلاق الحسنة وكلما قرآت آية فيها تنفير من خلق سيء يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْض ﴾ [الحجرات: 12] . احرص كل الحرص على البعد عن هذه الأخلاق المذمومة وعدم الوقوع فيها وهذا هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لما نزل تحريم الخمر قال الصحابة: انتهينا انتهيا وأهريقت في المدينة ولم يستأذن النبي- صلى الله عليه وسلم - في تأخير الحرمة أو يمهلهم أو غير ذلك وغيرها، لما فرض الحجاب قالت عائشة: فخرجت الصاحابيات متلفحات بمروطهن لا يعرفهن أحد فهذا يدل على سرعة الاستجابة لأوامر الله - عز وجل .
السبب الثاني: حفظ ما تيسر من الأحاديث الواردة في الآداب والأخلاق:
لكي أتصف بالآداب لابد أن أحفظ الأحاديث وإلا ماذا؟ فأنتم تعرفون أي شخص يريد أن يصنع صناعة لا بد أن يقرأ الكتالوج أو الدليل كما يسمى أو يتعلم فكيف أحث الناس على الخلق وأنا ما أعرف ما هي الأحاديث. لا لابد أن أقرأ في كتب الأخلاق كما سنأخذ بعد قليل كتب الآداب أو فيما يرد في ثنايا بعض الكتب مثل رياض الصالحين وغيره ترد فيه أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إما في فضل حسن الخلق أو في الاتصاف ببعض الأخلاق التي يحث عليها النبي- صلى الله عليه وسلم - من بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان للأيتام، أو الحذر من الأخلاق المذمومة من عقوق الوالدين، من التولي يوم الزحف، من قذف المحصنات ونحو ذلك من السبع الموبقات أيض
ثالثاً: استحضار الأجر العظيم في حسن الخلق، إذا عرفت أن حسن الخلق أثقل ما يكون في الميزان عند الله - عز وجل - يوم القيامة لا شك أنك تستحضر هذا الأجر العظيم وحينئذ تبادر إلى الثواب الجزيل.
رابعاً: تربية الأولاد على التربية الحسنة منذ الصغر، ينبغي على الآباء والأمهات وأنا أوصي الأخوة المشاهدين والمشاهدات أن يتقوا الله - عز وجل - في أولادهم وبناتهم وهي مسئولية وأمانة في أعناقهم يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم آية: (6)] كيف أقي نفسي وأهلي من النار؟ بتعليمهم آداب الإسلام والأحكام من الحلال والحرام وتحذيرهم من السيئات والحذر عليهم والخوف عليهم مما يؤدي بهم إلى دخول النار .
أيضاً الابن كما يقول الغزالي وغيره من علماء الإسلام: أنه كالعجينة في يدك لا يزال لينا طرياً استطيع أن أشكله كما أريد فأعود ابني على الحذر من الكذب ولو كذب أعاقبه عقاباً مناسباً لا يكون عقاباً موجعاً إنما أحرمه من مصروف، أمنعه من شيء لكي يحذر.
أعود ابني على السلام وفضل التسليم، أعود ابني على السلام باليد اليمنى الأكل باليد اليمنى قراءة آيات قبل النوم ، تعوده على آداب النوم، على بر الوالدين والإحسان للكبار وهكذا يتعود الطفل منذ صغره على بعض الآداب والأخلاق الإسلامية ينشأ عليها ولذا يقول الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه
ويقول الشاعر الآخر:
قد ينفع الأدب الأولاد في صغر *** وليس ينفعهم من بعده الأدب
وكلنا نعرف أن الغصون إذا استوت وكبرت يصعب تعديلها لكن الأشجار إذا كانت طرية يسهل فيها التعديل، وقديماً قالوا: العلم في الصغر كالنقش في الحجر. وهذا بالمناسبة تراه من قول الحسن البصري ولا يصح حديثاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - مع الأسف يكتب في بعض الكتب: حديث شريف أو يرفعون للنبي - صلى الله عليه وسلم - العلم في الصغر كالنقش في الحجر، هذا من كلام الحسن البصري- رحمه الله.
أيضاً أيها الأخوة مما ينبغي علينا أن نعتني به في مسألة الأسباب المعينة على الآداب الحرص على مصاحبة الأخيار فالإنسان إذا صاحب رجل خير متصف بالخلق الحسن لا شك أنه يحرص على الاقتداء به.
وأنت تلاحظ الآن كثيراً من الأصدقاء الذي تصاحبهم تشاكلهم أنت وتقتدي بهم دون أن يقولوا لك، تجد أنك ترى رجلا حسن المظهر فتحرص على أن يكون لباسك حسن المظهر تجده بشوشاً تجده مساعداً للفقراء تجده باراً بوالديه فتجد إن الصفات تقتدي بها دون أن يقول لك، وإن حصل أنه يحثك على ذلك لا شك أنه أنفع لك ، وفضل المجالسة وفضل الجليس الصالح وأنه كحامل المسك لا أظنه أنه يخفى على أحد ، والأخلاء ينبغي أن يكونوا كلهم من المتقين والحذر الحذر أن تصاحب صاحب سوء، والحسن البصري يقول لولده: يا بني اصحب الأخيار، إنك إن تحمل الحجارة مع الأخيار خير من أن تأكل الحلوى مع الأشرار ، ما معنى قول الحسن البصري ، يقول: الأخيار هؤلاء ولو حملت معهم الحجارة مع أنها شاقة فإنها في سبيل الله وفي خير أكيد إما في بناء مسجد وإلا في إزالة ضرر في طريق أو نحو ذلك، لكن الأشرار لو أطعموك الحلوى فإنهم يدسون لك السم في العسل وهذه الحلوى اليوم يتبعها غدا أمور لا تحمد عقباها فإنهم يزينون لهم ذلك - نسأل الله العافية- ولذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( المرء على دين خليله ) ويقول -عليه الصلاة والسلام- (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) فينبغي للإنسان أن يحرص على هذا ولذلك كان الشاعر يقول:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه *** فكـل قرين بالمقـارن يقـتدي
ويقول الآخر:
يقاس المرء بالمرء *** إذا ما المرء ماشاه
فكم من جاهل أردى *** حليما حين آخــاه
ومع الأسف - أيها الإخوة- ما أوقع كثيرا من الناس من الطلاب والطالبات في مساوئ الأخلاق إلا بصحبتهم للسيئين، وإلا ينظر أن البيت أو المسجد يُعوِّد على الأخلاق السيئة لكن معه الأسف يأتي من بعض أصدقاء السوء أو صديقات السوء من يزين لهم بعض المنكرات ويحببها إليهم ومع الأسف يتدرجون تدريجياً ويقول افعل هذا هذا شيء يسير هذا شيء يفرحك هذا شيء مناسب مع الوقت مع الأسف يجد أنه انحرف واتصف بصفات سيئة فينبغي للإنسان أن يحرص. ولذلك جاء في الحديث كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إنه لا يهدي إلى صالح الأعمال إلا أنت ) ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ) فينبغي علينا أن نحرص وأن ندعو الله - عز وجل - أن نكون من المتصفين بصالح الأخلاق نسأله - عز وجل - أن يوفقنا لصالح الأخلاق ومعالي الآداب أنه جواد كريم.