بسم الله الرحمن الرحيم المحاور التي سنتناولها - بإذن الله تعالى- مع شيخنا
أولاً: أهداف مقرر الآداب الشرعية ثانيا: تعريف الآداب والأخلاق.
ثالثا فضل حسن الخلق في القرآن والسنة.
رابعاً: المؤلفات في الآداب قديماً وحديث
خامسا الآداب المعينة على حسن الخلق.
سادساً: هل الآداب والأخلاق مكتسبة أم طبيعية.
نترك المجال لشيخنا.
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ما تعاقب الليل والنهار، وما غردت الأطيار، وما تفتحت الأزهار، عليه وعلى آله وصحبه من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى أن يجمعنا الله بهم بمنه وفضله في دار الأبرار.
أما بعد.... فتحية ندية مع غرة الآداب الشرعية في درس من دروس الأكاديمية عبر قناة المجد العلمية مع تلك الوجوه البهية مع هدي خير البرية نستضيء وإياكم بما تيسر في هذه الحلقة التي أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم فيها للعلم النافع والعلم الصالح وأن يرزقنا صالح الأخلاق إنه جواد كريم.
في مدخل هذه الحلقة وهو مستهلها لابد لكل عمل من أهداف ودراستنا للآداب الشرعية لها أهداف مهمة جداً، ينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يستحضره وأن يكون على بينة منها.
أولاً: نحن ندرس الآداب الشرعية لبيان حسن الخلق من خلال الكتاب والسنة وهذا أهم ما ينبغي على المسلم. أن يغترف من معين كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنحن شعارنا:
قال الله قال رســـوله *** قال الصحابة هم أولى العرفان
وينبغي علينا -دائماً- في كافة أقوالنا وأعمالنا ودروسنا العلمية ومجالاتنا المعرفية أن نربطها بالكتاب والسنة ونحن نسعى -دائماً- إلى ما يسمى بإسلامية المعرفة.
النقطة الثانية: ينبغي علينا من خلال دراستنا للآداب الشرعية أن نبرز المظهر الجمالي في الإسلام، وهذه نقطة مهمة جداً. الإسلام اليوم مع الأسف يتعرض لحملة تشويه، اتهام بالإرهاب، اتهام بالعنف، اتهام بأشياء كثيرة فينبغي علينا وفي ظل هذه الظروف أن نبرز الجانب الجمالي في الإسلام فالإسلام دين الخلق، دين المحبة، دين السلامن دين الوئام، ومن يتأمل كتاب الله وسنة نبيه كما سنأخذ في ثنايا هذه الحلقة سنجد هذا الجانب واضحاً جلياً.
النقطة الثالثة: من خلال هذه المحاضرات وهذه الدروس - بإذن الله تعالى- سنتناول هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الآداب الشرعية ودعوة الناس للتأسي بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكون لنا قدوة في خلقه - عليه الصلاة والسلام- وتعامله مع الناس وسنأخذ - بإذن الله تعالى- نماذج كثيرة لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الآداب فكان -عليه الصلاة والسلام - بأبي هو وأمي- أكمل الناس خلقاً، يقول جرير بن عبد الله: (ما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وتبسم ) وهذا يا إخوة إذا نظرنا إليه لا شك أنه مظهر مشرق في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل حياته مشرقة، ولأي إنسان تمر به لحظات من الحزن والغضب والكدر والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول جرير ما رآني إلا وتبسم يدل على ما يظهره النبي - صلى الله عليه وسلم - من حسن البشاشة والتودد إلى أصحابه، أيضاً أيها الإخوة إذا انتشرت الآداب بيننا وعرفنا الآداب الشرعية تسود المحبة والألفة بين الناس فلا شك أن المتأدبين بآداب الإسلام والمتخلقين بسنة خير الأنام تسود بينهم المحبة والوئام.
نقطة مهمة جداً من الآداب وأجعلها أخيراً وهو أننا لا نوفي الآداب الشرعية بسبب انتشار كثير من الأخلاق المذمومة - مع الأسف- في بعض المجتمعات فأصبحنا في حاجة إلى بيان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - والمتأمل في مجتمعات الناس اليوم يجد انتشار الكذب مع الأسف، يجد انتشار الغش، التزوير، السرقة، الرشوة، الغيبة، النميمية، شهادة الزور، عدم إعطاء الطريق حقه، عدم معرفة آداب النوم، عدم معرفة آداب الطعام و الشراب. ينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يكون على بينة من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - لئلا يقع في المخالف من ذلك. هذا فيما تيسر عن الأهداف.
نأخذ الآن تعريف الآداب والأخلاق
الآداب لغة جمع أدب والأدب يعرفونه بأنه ما ينبغي فعله من محاسن الأخلاق.
إذن ما هي الأخلاق؟ الأخلاق جمع خلق والخلق في لغة العرب هو السجية والصفة.
وفي الاصطلاح: الأخلاق هي الصفات التي ينبغي الاتصاف بها، لكن ينبغي التنبه إلى أن كلمة خلق قد تطلق على الصفات الحسنة المحمودة، وقد تطلق على الصفات الذميمة المنبوذة، فأيضاً كلمة خلق -دائماً- تكون لأنه قد يقال فلان ذو أخلاق سيئة وقد ورد في كتاب الله تعالى ذلك ما يؤيد ذلك قال تعالى ﴿ إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ (137) ﴾ [الشعراء: 137]، فعاب الله - عز وجل - على أولئك عادتهم عاداتهم في عبادة الأصنام وأنهم على ما كان عليه آباؤهم فلذلك ينبغي التنبه إلى أن الأخلاق تطلق ويراد بها الصفات الحسنة في الغالب، إذا وصف شخص بأنه ذو خلق يدل على أنه اتصف بصفات الكمال والآداب الشرعية ومن قديم والناس يثنون على من اتصف بتلك الأخلاق وبيت شوقي لا زال محفوظاً لدى الكثير من الطلاب:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبو
أولاً: أود أن أنبه إلى أن الأخلاق وردت في كتاب الله ووردت في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا يدل على أهميتها فما ذكره الله تعالى وما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - لا شك أنه من الأهمية بمكان، أيضاً ينبغي علينا أن نحرص كل الحرص على أن نحفظ ما تيسر من الآيات الواردة في الأخلاق، والأحاديث الثابتة في الآداب وأن نحرص كل الحرص على التطبيق العملي وأن نعطي القدوة الحسنة في حياتنا، فلا يكفي أن نعرف بالقول بل لا بد أن نضم إليه العمل وما أحسن ما قاله ابن مسعود " إذا سمعت الله - عز وجل - يقول ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ فأرع لها سمعك فإما خيراً تدعى إليه وإما شراً تنهى عنه " الأخلاق في القرآن جاءت على جانبين، الجانب الأول: ذكر الأخلاق في الجانب النظري أو ما نسميه في الجانب القولي يقول الله - عز وجل - واصفاً نبيه - صلى الله عليه وسلم - ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) ﴾ [القلم: 4]، فالله - عز وجل - أثنى على النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكارم الأخلاق وبحسنها وعظيمها فوصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه على خلق عظيم وجاءت أيضاً في جانب آخر وهو الجانب الثاني الجانب العملي أو التطبيقي كتاب الله - عز وجل - مليء بكثير من الآداب والأخلاق الشرعية من يتأملها في كتاب الله - عز وجل - يجد آداب الجلوس، آداب الطعام ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا ﴾ [الأعراف: 31]، آداب الاستئذان، آداب النجوى وعدم التناجي بينهم يجد أيضا في قصة لقمان حينما أوصى ابنه من الحكماء بعدد من الوصايا التي تدل على أهمية الاتصاف بالأخلاق ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ﴾ [لقمان: 19]، محفوظة لدى الكثير - ولله الحمد- أيضاً تناول القرآن بر الوالدين، صلة الأرحام، النهي عن القطيعة كل ما يتعلق بالإحسان إلى ذي القربى ومواساتهم، والإحسان إلى الفقراء، ولذلك عائشة -رضي الله عنها- لما سئلت عن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم -وقد سألها سعد بن هشام -رضي الله عنه- قالت أولست تقرأ القرآن؟ كان خلقه القرآن تعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اتصف بما جاء في كتاب الله - عز وجل - من القرآن ولذلك نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم -في سيرته ذكر الأخلاق والآداب كثيرا ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ) وهذا يدل على منزلة الأخلاق أرأيتم الرجل الخلوق يصل في منزلة عند الله - عز وجل - إلى درجة الصائم القائم ، وهذه لا شك أنها درجة ورتبةعالية كما ثبت بذلك الحديث في سنن أبي داود وغيره أيضا سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: (تقوى الله وحسن الخلق) انظر قرن التقوى بحسن الخلق ولا شك أن القرن بين الأمرين واقترانهما معا يدل على أهميتهما ومنزلتهما عند الله -عز وجل- والحديث صحيح رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه. أيضا النبي - صلى الله عليه وسلم - أثنى على المتأدبين المتخلقين بالأخلاق الحسنة ووعدهم بوعد كريم منه - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن من أحبكم إلى وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاق) فأحب الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقربهم مجلساً إليه وعنده يوم القيامة من كان حسن الخلق رواه الترمذي.
نخرج من هذا بأهمية الاتصاف بالأخلاق الحسنة والحرص على تطبيقها ولذلك كان الصحابة- رضوان الله عليهم- كانوا إذا سمعوا عشر آيات من القرآن لم يتجاوزوها حتى يعملوا بما فيها فيتصفوا بما فيها إن كان حلالاً وحراماً الحلال يعملوه و الحرام يجتنبوه وإن كانت آداباً فعلوها وكلكم تذكرون عدداً من الآداب التي أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها أصحابه كما حثهم على الصدقة فبادروا إليها ونحو ذلك مما سنأخذه في ثنايا هذه الحلقة، واستمر الخلفاء والأدباء والعلماء قديماً على هذا فكان كثير من الخلفاء يسلمون أولادهم إلى المؤدبين يؤدبونهم فكان أحد الخلفاء يقول للمؤدب- يختار أحد العلماء ليأدب ولده ومعنى يؤدبه يعني يعلمه الآداب- يقول: حفظه القرآن وعلمه البيان وأدبه بآداب الرجال. وهذا يدل على أهمية الآداب وأنهم كانوا منذ الصغر يتأدبون بهذا.
بقي أن أنبه إلى نقطة مهمة قد تنتشر بين طلاب العلم وهو أن هناك حديثاً انتشر على الألسنة ينسبونه للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ﴿أدبني ربي فأحسن تأديبي ﴾ وهذا يكتب في بعض كتب الآداب والأخلاق وهذا سئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى في المجلد الثامن عشر في الصفحة ثلاثمائة وخمس وسبعين فقال: المعنى صحيح وليس له إسناد ثابت. إذن هذا الحديث لا يصح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً وليس له إسناد ، لكن معناه صحيح أن الله – عز وجل- أدب نبيه - صلى الله عليه وسلم - فأحسن تأديبه كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ وسورة الضحى من يقرؤها يجد فعلاً مصداق ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى (7) ﴾ [الضحى: 7] وهي محفوظة لديكم- نسأل الله للجميع التوفيق والاتصاف بمحاسن الأخلاق.