البيع في الاصطلاح:
هذا التعريف اللغوي أما التعريف الاصطلاحي فقد عرفه الفقهاء بتعريفات متعددة، ولكن نقتصر على التعريف المختصر، وإن كان عليه بعض الملحوظات؛ لأنه كما يقول كثير من الفقهاء: لا تجد تعريفًا للبيع يسلم من اعتراض، لا تجد تعريفًا من تعريفات الفقهاء للبيع يسلم من اعتراض؛ ولهذا بعضهم أطال في التعريف وأدخل قيود متعددة من أجل أن يمنع ما قد يرد من اعتراضات على التعريف.
إنما بعض الفقهاء عرفوه بتعريف سهل، ويفي بالغرض، يؤدي المعنى، وإن كان عليه بعض الملحوظات، هذا التعريف الذي اخترته هو: مبادلة المبال بالمال على وجه التمليك بما يدل عليه. سواءً كان بيع مقايضة سلعة بسلعة، يدخل في ذلك، أو بيع سلعة بثمن.. أيضاً يدخل ؛ لأن كل منهما مال، وسواءً كان في الذمة أو في غير الذمة.. كله داخل في ذلك، وسواءً كان أيضاً أحد العوضين منفعة والآخر عين، أو كان كلاهما على هذا النحو.
فمبادلة المال بالمال على وجه التمليك بما يدل عليه هو التعريف الأسهل والأشمل، وإن كان يدخل عليه -كما قلت- بعض الملحوظات؛ لأنهم قالوا: يدخل فيه الرب، وهو ليس من البيع؛ لأنه مبادلة مال بمال، ويدخل فيه أيضاً القرض وهو ليس من البيع، ولكن هذه تستثنى أو مستثناة؛ ولهذا بعضهم استثناه حتى في التعريف، قال: مبادلة المال بالمال على وجه التمليك غير ربا وقرض.
أركان العقد:
البيع عقد من العقود، وكل عقد من العقود له أركان:
1- العاقد أو العاقدان.
2- والمعقود عليه.
3- والصيغة التي يتم بها العقد.
كل عقد لا بد أن تجتمع فيه هذه الأركان.
العاقدان: لما نريد أن نطبق كلمة العاقدين على البيع، هنا نجد "العاقدين" من هما؟ البائع والمشتري، البائعان والمشتري، ويمسيان البيعان، كما جاء في الحديث: (البيعان بالخيار) والمقصود البائع والمشتري، تغليبًا لأحدهما على الآخر، العاقدان البائع والمشتري.
المعقود عليه: وهو إيش؟ أيضاً شيئان: السلعة والثمن.
الصيغة: وهذا هو الركن الخامس أو الثالث على سبيل الإجمال، يعني ممكن نجعل الأركان ثلاثة على سبيل الإجمال، وخمسة على سبيل التفصيل أو على سبيل البسط، العاقدان والمعقود عليه والصيغة، هذه ثلاثة، إذا فصلنا العاقدين إلى البائع والمشتري، والمعقود عليه إلى عين المبيع أو المبيع والثمن أصبحن أربعة، والصيغة هي الخامسة.
الصيغة هي الوسيلة التي يتم بها البيع، قد تكون قولية، وقد تكون فعليه، القولية هي اللفظ الصادر من البائع والمشتري، الإيجاب الصادر من البائع والقبول الصادر من المشتري، يقول البائع: بعتك هذا الكتاب، ويقول المشتري اشتريت، يقول البائع: بعتك هذا الكتاب بعشرين ريال، ويقول المشتري: قبلت بهذا الثمن، قبلت هذا البيع بهذا الثمن، هنا صدر لفظ، تم العقد عن طريق وسيلة لفظية، عن طريق القول عن طريق اللفظ، اللفظ الصادر من العاقدين.. هذا يسمى إيش؟ صيغة قولية.
هناك صيغة فعلية أو يعبر عنها الفقهاء بالمعاطاة، المعاطاة ما فيه كلام من العاقدين، المشتري يضع النقود ويأخذ السلعة، وهذا يتم في الأشياء المعروفة الثمن غالبًا، يعني مثلاً خباز يبيع الخبز، ومعروف أن الخبز بريال أو أربع خبز بريال يضع المشتري ريالا ويأخذ أربع خبزات أو خبزة على حسب السعر المعروف والمتداول، وهكذا بعض السلع المعروضة للبيع بأثمان معروفة، يعرفها من يريد أن يشتري وقابل لهذا السعر، يضع الثمن ويأخذ السلعة.
هذه معاطاة، وليس فيها لفظ صادر لا من البائع ولا من ا لمشتري أحياناً يكون الفعل من جانب والقول من جانب آخر، إما البائع أو المشتري، يعني لو فرضنا مثلاً اللفظ صادر من البائع والفعل من المشتري، يقول: البائع عند هذه السلعة عند الكتاب، عند الدابة عند السيارة عند الكرسي، عند الباب أي سلعة من السلع يقول: بعتك هذا الكتاب بعشرين ريال، فالمشتري لم يتكلم ولا بحرف، نزّل العشرين، وأخذ الكتاب الآن أصبح اللفظ صادر من البائع والمشتري صدر منه فقط الفعل، أحيانًا العكس يقول المشتري: بعني هذا الكتاب بعشرين، فيأخذ البائع عشرين ويعطيه الكتاب، فالمعاطاة أو الصيغة الفعلية قد تكون من العاقدين وقد تكون من أحدهما.
نعم يا شيخ البيع لا يصح إلا بهذه الأركان التي ذكرتم، لا يتم البيع إلا بهذه الأركان؟.
لا يكاد يخرج عقد البيع أو لا يكاد يتم عقد البيع إلا بإحدى هاتين الصياغتين، إما قولية أو فعلية ، هل تتصور أنت طريق آخر؟.
لا أبدًا.
المهم هل هناك قول خاص أو لفظ خاص للبيع؟ بحيث إذا لم يتقيد بهذا اللفظ لا يصح البيع أو أنه يصح البيع بكل لفظ فُهِمَ منه المراد؟ قيل وقيل، قيل: أنه لا يصح البيع إلا بلفظ البيع وما تصرف منه بهذا اللفظ، بينما ذهب البعض الآخر إلى أن البيع، وكل عقد من العقود ليس خاصاً في البيع، ينعقد بكل ما فهم منه المراد، كل ما فهمه المتعاقدان كل وسيلة فهم المتعاقدان من خلالها إرادة البيع وفهم من هذه الوسيلة تراضي العاقدين على البيع بهذا الثمن، فإنه يتم بها البيع وهذا هو الصحيح، هذا هو الأرجح.
هذا هو الأرجح أن البيع يتم أن ينعقد بكل ما دل عليه، من لفظ بيع أو بغير لفظ البيع، مثلا أن يقول: بعتك هذا الكتاب بعشرين ريال، هذا صدَر باللفظ بلفظ البيع، يقول المشتري: اشتريت هذا الكتاب بكذا ويقول: أنا قبلت أو خذه. أحيانًا يقول: أعطيتك هذا الكتاب بكذا، أعطيتك هل يفهم منها الهبة هنا لما قال بكذا؟ لا، فهم منها البيع، لأن فيه عوض فيه مقابل، إنما أحيانًا يقول: ملكتك هذا الكتاب بكذا، طيب لو قال: ملكتك هذا الكتاب وسكت أو أعطيتك هذا الكتاب، هنا يرد احتمال، يرد احتمال إرادة الصدقة، أو الهبة أو العطية أو ما شابه، على كل حال ينعقد البيع بكل وسيلة دلت عليه .
المؤلف قال: (والبيع معاوضة المال بالمال)، قلنا نحن قبل قليل: معاوضة المال بالمال على وجه التمليك، يكون على وجه التمليك هذا يعني يبين المراد أكثر.
حكم البيع:
والمؤلف أيضاً في كتابه المغني قال هذا التعريف: « مبادلة المال بالمال على وجه التمليك » المؤلف -رحمه الله تعالى- كما هي عادته في كتاب العمدة وقد مر معنا في الدروس الذي سبقت وفي الدورات السابقة أنه أحيانًا يصدِّر الباب بدليل، هو متن، العمدة متن وموجز ومختصر، ولكن المؤلف درج على أنه يصدره بدليل من الأدلة على هذا الباب أو الموضوع الذي يريد تناوله، هنا ابتدء المؤلف -رحمه الله- أو صدر كتاب البيع بالآية قال الله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ﴾ [البقرة: 275] وهو يشير بهذا إلى حكم البيع، حكم البيع جائز الأصل أنه جائز، وقد ترد عليه الأحكام الخمسة في حالات خاصة وفي حالات معينة، إنما كحكم عام على البيع نقول: إنه جائز، والدليل على جوازه الكتاب والسنَّة والإجماع.
أما الكتاب فقول الله -تبارك وتعالى-: ﴿ وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275] وكذلك قوله -تبارك وتعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ ﴾ [النساء: 29].
ومن السنة أحاديث كثيرة منها : (البيِّعان بالخيار) ومنها: (إنما البيع عن تراض) كما سيأتي.
ومنها فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث باع واشترى وأقر أيضاً صحابته -رضوان الله عليهم- على البيع والشراء والتجارة.
وأجمع المسلمون على جوازه، فالبيع حلال مباح في الجملة.
أما ما هي البيوع المباحة، وما هي البيوع المحرمة، ما هي البيوع المنهي عنها وغير المنهي عنها؟ هذا سيأتي -إن شاء الله تعالى- بيانه من خلال كلام المؤلف -رحمه الله تعالى.
شروط صحة البيع:
نعم يا شيخ نقرأ.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح إلا الكلب، فإنه لا يجوز بيعه، ولا غرم على متلفه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الكلب، وقال: (من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو صيد نقص من عمله كل يوم قيراطان) قال: ولا يجوز بيع ما ليس ببملوك لبائعه إلا بإذن مالكه أو ولاية عليه، ولا بيع ما لا نفع فيه كالحشرات، ولا ما نفعه محرم كالخمر والميتة).
المؤلف -رحمه الله تعالى- تحدث من قوله: (ويجوز بيع كل مملوك ) إلى آخر الفصل هذ، في شروط صحة البيع، تحدث في هذا الفصل عن شروط صحة البيع تحدث في هذا الفصل عن شروط صحة البيع، والمقصود بالشروط التي اشترطها الشارع في صحة البيع.
يعني عندنا كل عقد -والبيع من العقود- كل عقد من العقود له شروط للصحة، ويذكر أيضاً الفقهاء له أو في هذا العقد ما يعرف بالشروط في العقد، كل عقد يرد عليه أو حوله شروط للعقد وشروط في العقد، فرق بينهما، أن شروط العقد أو شروط صحة العقد هي الشروط التي اشترطها الشرع، يعني الشروط المأخوذة من القرآن والسنة، الشروط المستنبطة من كتاب الله –تعالى- ومن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.
والشروط في العقد هي الشروط التي اشترطها المتعاقدان في العقد شروط يسمونها الشروط الجعلية، يعني التي جعلها العاقدان، من هذه الشروط ما يكون مقبولاً وصحيحً، ومنها ما يكون فاسدًا أو غير مقبول كما سيأتي والمؤلف -رحمه الله تعالى- عقد فصلاً للشروط في البيع وسنتحدث عنه.
فالحديث هنا الآن عن شروط الصحة، يعني الشروط التي استنبطناها من كتاب الله –تعالى- ومن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بحيث إذا توافرت هذه الشروط نقول: إن البيع صحيح، وإذا تخلفت هذه الشروط أو تخلف شرط منها نقول: إن البيع غير صحيح، أو لا يجوز؛ لمخالفته الشرع، لمخالفته دليلاً إما من الكتاب أو من السنة.