لعل الأخ الكريم يقرأ علينا نص ابن عطية.
قال ابن عطية الأندلسي -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ [الطلاق: 1]، "وطلاق النساء حل عصمتهن، وصور ذلك وتنويعه مما لا يختص بالتفسير".
نعم، ماذا نلاحظ الآن على هذا النص؟ أولاً عبارة ابن عطية الأولى، قال: "وطلاق النساء حل عصمتهن"، هذا تفسير أو ليس بتفسير؟
تفسير.
هذا لا شك أنه تفسير؛ لأنه بيان المعنى، لكن لو أخذنا صور الطلاق، وأنواع الطلاق في هذه الآية هل صور الطلاق وأنواع الطلاق والمسائل المتعلقة به تختص بعلم التفسير؟
مسائل فقهية.
تختص بعلم الفقه، إذن هناك مغايرة بين معلومات علم الفقه، ومعلومات علم التفسير.
أيضاً عندنا نص آخر لو نقرأه.
قال أبو حيان الأندلسي في تفسير قوله تعالى: ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ﴾ [البقرة: 23] "وقد تعرض الزمخشري هنا بذكر فائدة تفصيل القرآن وتقطيعه سوراً وليس ذلك من علم التفسير وإنما هو من فوائد التفصيل والتسوير".
أيضاً نلاحظ الآن أن أبا حيان الأندلسي استدرك على الزمخشري في كتابه؛ لأن الزمخشري كتب كتابه في التفسير فاستدرك عليه أبو حيان هذه المعلومات ذكرها أنها ليست من صلب التفسير، وإنما قال هي من فوائد التفصيل والتسوير، لو أردنا نضع هذه المعلومات التي هي فوائد التفصيل والتسوير، يعني ماذا جعل القرآن آية آية، لماذا جعل سورة سورة، بهذا التفصيل، وذكر هذه الفوائد، نضعها في آي علم؟
نعم يا أخي الكريم.
في علوم القرآن.
نضعها في علوم القرآن؛ لأن هذه معلومة مرتبطة بعلوم القرآن.
أيضاً عندنا نص آخر.
قال الشوكاني -رحمه الله تعالى- في أول سورة الإسراء: "واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير والسيوطي وغيرهما في هذه الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها، وليس في ذلك كثير فائدة، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، وهو مبحث آخر، والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز، وذكر أسباب النزول، وبيان ما يؤخذ من المسائل الشرعية، وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة".
نعم. أيضاً نلاحظ الآن أن الشوكاني استدرك على ابن كثير والسيوطي وغيرهما، ممن أطال في ذكر الآي، طبعاً في بداية سورة "الإسراء" أطال في ذكر الأحاديث المتعلقة بسورة "الإسراء"، لو رجعنا إلى ابن كثير سنجد صفحات في ذكر الأحاديث -كل تقريباً كثير من الروايات- التي وردت في الإسراء والمعراج، أوردها في تفسير هذه الآية.
الآن هو يقول: ليس لها علاقة بعلم التفسير.
كذلك فضائل المسجد الحرام أو المسجد الأقصى الذي ذكره بعض العلماء في هذه الآية، قوله سبحانه: ﴿ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ [الإسراء: 1] هل هذه الفضائل لها علاقة بالتفسير أيضاً؟ أيضاً ليس لها علاقة بالتفسير.
نلاحظ أن الشوكاني حدد لنا مهمة المفسر، أو ما الذي يقصد في كتب التفسير، قال: "والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز، وذكر أسباب النزول، وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية، وما عدى ذلك فهو فضلة لا تدعو الحاجة إليه".
طبعاً هذا كلام فيه إجمال، لكن يبين لنا بالفعل أن بعض العلماء -رحمهم الله- يكتبون كتبهم في التفسير، عندهم تصور عن ماذا يكتبون، وأن علم التفسير له حدود معينة يقف عندها.
فإذن من خلال كلام الشوكاني، تفسير الألفاظ، الذي هو بيان الألفاظ، ذكر بيان النزول، المسائل الشرعية المنصوص عليها، هذا كلها تدخل في علم التفسير.
نأخذ على ذلك مثال: قال ابن كثير في قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴿4﴾﴾ [الزخرف: 4]، بين شرفه في الملأ الأعلى ليشرفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض، وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ ﴾ أي: القرآن، ﴿ فِي أُمِّ الْكِتَابِ ﴾ أي: اللوح المحفوظ، قاله ابن عباس ومجاهد، إلى أن قال: وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله كما قال: ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴿77﴾ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ﴿78﴾ لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴿79﴾ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴿80﴾﴾ [الواقعة: 77: 80]، وقال: ﴿ كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴿11﴾ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ﴿12﴾ فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ ﴿13﴾ مَرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ ﴿14﴾ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ﴿15﴾ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴿16﴾﴾ [عبس: 11: 16]؛ ولهذا استنبط العلماء -رحمهم الله- من هاتين الآيتين، أن المحدث لا يمس المصحف كما ورد به الحديث إن صح؛ لأن الملائكة يعظمون المصاحف المشتملة على القرآن في الملأ الأعلى، فأهل الأرض بذلك أولى وأحرى؛ لأنه نزل عليهم وخطابه متوجه إليهم فهم أحق أن يقابلوه بالإكرام والتعظيم والانقياد له بالقبول والتسليم، لقوله: ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴿4﴾﴾ [الزخرف: 4].
هذا النص الآن نحتاجه في هذا الموطن، لنتبين الآن لو سألتكم ما هي المسائل من هذا النص الذي يمكن دخولها في التفسير؟ هو الآن يفسر ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴿4﴾﴾ ما هي المسائل التي تدخل في التفسير من هذا النص؟ وما هي المسائل التي هي تعتبر من باب الاستطراد؟
مما يدخل في علم التفسير: ﴿ وَإِنَّهُ ﴾ عودة الضمير إلى القرآن ﴿ أُمِّ الْكِتَابِ ﴾ توضيح معنى "اللوح المحفوظ".
نعم المراد به "أم الكتاب".
ومما يخرج منه قضية المسألة الفقهية أن المحدث يمس المصحف أو لا يمسه.
جميل، يعني إذن الآن لو إحنا قلنا الآن ما هو التفسير من هذا النص؟ سنجد بالفعل التفسير إنما هو الذي بين الضمير في ﴿ وَإِنَّهُ ﴾ أنه عائد إلى القرآن، وبين لنا المراد ب﴿ أُمِّ الْكِتَابِ ﴾ فيكون المراد إن القرآن في اللوح المحفوظ وكذلك أنه عند الله -سبحانه وتعالى-، قال: ﴿ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾.
فإذن المقصد من ذلك أن لاحظ في مثل هذه النصوص التي يذكرها العلماء، أنه قد يستطرد المفسر إلى ذكر مسائل أخرى لكن لا تكون من صلب التفسير.
نرجع الآن إلى نظر آخر من خلال هذه النصوص، ما هي الفوائد التي نستفيدها من هذه النصوص وأمثالها، التي ذكرناها الآن من كلام العلماء؟ الآن ذكرنا أن العلماء بعضهم استدرك على بعض في قضية إدخال بعض المعلومات التي ليست من صلب التفسير.
نحن الآن عقدنا سؤالاً وهو: هل كل المعلومات الواردة في كتب التفسير تعد من التفسير؟
فإذن الفائدة الأولى: أنه لا يلزم أن تكون كل المعلومات التي في كتب التفسير من التفسير.
إذن ظهرت لنا النتيجة من خلال استعراض بعض هذه النقول.
أيضاً نستفيد من هذه النصوص بأنه يحسن بنا تحديد المصطلحات لمعرفة الفرق بين هذه المعلومات، وكذلك نسبة هذه المعلومات إلى فنونها وهي أصولها الفنية، هل هي من علم البلاغة، هل هي من علم الفقه، هل هي من علم أصول الفقه إلى آخره.
كذلك أنه يمكن الانطلاق منها إلى تحديد ضابط المعلومات التي تدخل في التفسير، يعني ما هي المعلومات التي تدخل في صلب التفسير؟ نحتاج إلى ضابط يضبط لنا هذه القضية، فإذا رجعنا إلى تنبيه بعض العلماء الذي سبق قبل قليل على عدم دخول بعض المعلومات في علم التفسير، وذكرنا ثلاثة منهم، كذلك إذا نظرنا إلى عموم تفسير السلف، ووزناه بالزيادات التي زادها المتأخرون، وقبل قليل أيضاً نبهتكم على أن بعض العلماء كتب تفسيراً في مجلد. ونقول: هذا كتاب تفسير، وبعضهم كتب أكثر من مجلد ونقول هذا تفسير، فالنظر إلى هذه الزيادات أيضاً يفيدنا أو يدلنا على ماذا؟ على الضابط وأهم هذا هو النظر إلى المعنى اللغوي والاصطلاحي، بمعنى أن ما ذكره العلماء من تنبيهات وما نجده من كتب التفسير التي تكون فيها تمايز في الكمية يجعلها الناس ما دام هذا تفسير، وهذا تفسير ما هو الضابط الذي يجعلنا ندخل بعض المعلومات في التفسير ونخرج غيرها من التفسير؟ فما هو هذا الضابط إذا كان يمكن استنباطه من خلال ما مضى. نعم.
التفسير هو شرح وبيان لمعاني القرآن، ويكون التفسير هو الصلب، أما ما عداه، فهو ينتسب إلى العلوم التي اتضحت بما سبق.
قصدك أنه إذا كان فيه بيان لمعاني القرآن، فلا تكون من صلب التفسير، وإذا كانت المعلومة ليس فيها بيان لمعنى من معاني القرآن فهي ليست من صلب التفسير.
نعيد مرة أخرى كي لا يفهم الكلام خطأً، أننا نقصد الآن تحديد مصطلح ولسنا نتكلم عن مهمة المفسر؛ لأن بعض الناس لما يسمع هذا الكلام قد يقول: إذن ما هي فائدة المفسر؟ نقول: نحن لا نتكلم الآن عن ماذا نريد من المفسر حينما يفسر كلام الله -سبحانه وتعالى- للناس؟ وإنما نحدد مصطلح، فبالفعل لما نرجع إلى هذا سنجد أن أي معلومة لها أثر في بيان المعاني ستكون من صلب التفسير، وأي معلومة ليس لها أثر في بيان المعاني ليست من صلب التفسير، ما أدري لو يعني أحد الإخوة إذا كان يمكن يعطينا مثال لمعلومة ليس لها أثر في صلب التفسير بمعنى أننا لو فقدناها ما يتأثر فهمنا للمعنى.
من المثال السابق فضيلة الشيخ.
من الأمثلة إذا كان الأمثلة السابقة الموجودة. نعم.
ما ذكره ابن كثير في المسألة الفقهية في مس المحدث للمصحف، هذا ليس داخل في صلب التفسير، بل في العلوم الأخرى التي ذكرناها.
أي نعم، ابن كثير استطرد هو أصلاً، كان يتكلم عن قوله ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ ﴾ ثم استطرد لما ذكر أنه القرآن وأنه في اللوح المحفوظ استطرد بعد ذلك إلى ماذا؟ إلى قضية مس هذا الكتاب ثم بعد ذلك استطرد إلى قضية مس المصحف، فإذن هذه الاستطرادات التي ذكرها ابن كثير -رحمه الله تعالى- وإن كانت مفيدة، وإن كنا أيضاً لما يأتي مفسر نقول: يحسن ذكرها للناس ليستفيدوا، لكن مقصد أن نقول الآن هنا أنها ليست من ماذا؟ ليست من صلب التفسير.
إذن الضابط عندنا الآن هو قضية البيان، وخذها قاعدة، أنه أي معلومة إذا أنت فقدتها لا تؤثر على فهم المعنى فليست من صلب التفسير، ولكن إذا فقدتها تأثر فهم المعنى عندك، فإنها تعتبر من صلب التفسير.
لو بدأت مثلاً في سورة الأنفال ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ ﴾ [الأنفال: 1]، الآن عندنا في قوله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ ﴾ أمران، المعنى اللغوي، والمراد السياقي، ما هو المعنى اللغوي للأنفال؟ لو أنت فقدت هذه المعلومة ما هو النفل في اللغة؟ النفل الزيادة، فإذن لا شك أنه يتأثر عندك الفهم، إذا فهمت أن الزيادة قد نقول نحن أردنا أن نفسر تفسيراً لفظياً قلنا يسألونك عن الزيادة، ما اتضح المعنى إلى الآن، نحن نحتاج -ما زلنا إلى ماذا؟- إلى معناً آخر الذي هو المعنى السياقي، لما رجعنا إلى المعنى السياقي، سنجد أن العلماء اختلفوا في تحديد المعنى السياقي للأنفال هنا، ما هو؟ على أقوال: بغض النظر عن هذا الاختلاف الذي كان على أقوال، إذا نظرنا إلى جميع أقوالهم، هل هي فيها بيان أو لا؟ بدل من قال الأنفال الغنائم، يعني جعل جميع الغنائم هي المسئولة عنها، ماذا يكون المعنى؟ يسألونك عن الغنائم، تبين المعنى ولا ما تبين؟
تبين.
تبين، إذن الآن من قال بأنه الغنائم نقول تبين.
بعض العلماء قال: الأنفال هي الزيادة التي يزيدها الإمام بعد تقسيم الغنيمة، إذن ما جعل الأنفال هي نفس الغنيمة، إنما هي ما يكون بعد تقسيم الغنيمة، فإذن من قال بهذا القول يكون بيَّن المعنى ولا ما بين؟ أيضاً بين، الذي نريد أن نصل إليه أن اختلاف المفسرين في أوجه التفسير يدخل في صلب التفسير؛ لأن كل واحد منهم بين المعنى، اختلافهم لا يؤثر على أن هذه المعلومات تدخل في صلب التفسير.
طيب، فإذن المقصد من ذلك أن ننتبه إلى أن أي معلومة لها أثر في الفهم فتدخل في الصلب، وأي معلومة إذا أنا فقدتها لا تؤثر على فقد المعنى، هنا لا تدخل في صلب التفسير.
على سبيل المثال نأخذ مثال لما لو فقدناه في قول مثلاً ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ﴾ [التوبة: 37]، أيضاً لو أردنا أن نفسر تفسيراً لفظيا قلنا: ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ ﴾ ما معنى "النسيء" في اللغة؟ التأخير، إنما التأخير زيادة في الكفر، ما المراد أي تأخير؟ تأخير ماذا؟ الأشهر الحرم، فإذا الآن عرفنا ما المراد بالتأخير في هذه الآية أن المراد أن تأخير الأشهر الحرم زيادة في الكفر فكانوا يعني ينسئون شهر محرم أنه بعد ذي الحجة ويجعلون شهر سفر بدلاً عنه.
طيب، لو لم نعلم من هو أول رجل فعل هذا الفعل من العرب؟ ما عرفنا من هو، هل يؤثر على فهم المعنى؟ طيب إذا عرفنا من هو هل يزيدنا في فهم المعنى؟ أيضاً لا يزيدنا.
فإذن المقصد من ذلك أنه عندنا بعض المعلومات تذكر في كتب التفسير لا تؤثر على فهم المعنى الذي هو صلب التفسير.
هذا باختصار ما يتعلق بقضية الفوائد التي نستفيدها من ما يتعلق بقضية صلب التفسير.
نأتي الآن إلى مثال آخر قرأناه، وهو مثال ابن كثير -رحمه الله تعالى- الذي قرأه الأخ الكريم كان فيه كما لاحظنا الذي هو تفسير لقوله: ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴿4﴾﴾ لو تكرمت يا أخي الكريم تقرأ المثال الثاني مرتبط به.
نعم، وقال في تفسير قوله تعالى: ﴿ لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴿79﴾﴾ وقال آخرون: ﴿ لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴿79﴾﴾ أي: من الجنابة والحدث، قالوا: ولفظ الآية خبر، ومعناها الطلب، قالوا: والمراد بالقرآن ها هنا المصحف.
طبعاً هذا القول الآخر، القول الأول هو الذي ذكره في تفسير الآية الأولى، ولما جاء عند القول الثاني ذكر القولين، القول الأول المراد بهم: الملائكة، والقول الثاني المراد بهم البشر.
الذي نريد على أن نصل إليه لما نقول: ﴿ لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴿79﴾﴾ الملائكة، ﴿ لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴿79﴾﴾ البشر، هذا الآن تفسير أو ليس بتفسير؟ هذا تفسير، طبعاً كما قلنا اختلاف أوجه، لكن ماذا سيبنى على اختلاف الأوجه هذه؟ الآن هو قال: ﴿ لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴿79﴾﴾ أي من الجنابة والحدث، هذا الآن قوله: "من الجنابة" والحدث يدخل في التفسير ولا ما يدخل؟ يدخل؛ لأن معنى التطهير ما هو؟ ما المراد بالمطهرون هنا؟ ولذلك قال: لفظ الآية خبر ومعناه الطلب، قال: والمراد بالقرآن هاهنا: المصحف، إذن كل هذا الكلام في الحقيقة تفسير.
لكن لو رجعنا إلى المثال الأول الذي ذكره سنلاحظ أنه فسر المطهرون بمن؟ بالملائكة، ثم بنى على تفسيره بالملائكة عبارة قال: ولهذا استنبط العلماء -رحمهم الله- ثم ذكر ما استنبطوه أن المحدث لا يمس المصحف. الآن لما نأتي إلى التفسير من جعل المطهرون البشر، قال: لا المحدث لا يمس المصحف، نعتبر كلامه الآن تفسير ولا استنباط؟ تفسير، إذن يكون من صلب التفسير. من قال: أن المراد بالمطهرون الملائكة، ثم قال: يؤخذ من هذه الآية أن المحدث لا يمس المصحف، هذا استنباط، إذن خرج عن التفسير على هذا الوجه، فإذن تمايزت المعلومات بسبب اختلاف الوجه التفسيري.
أيضاً عندنا نص آخر لو نقرأه لننظر.
يقول: وقوله تعالى: ﴿ كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴿15﴾﴾ [المطففين: 15] أي: لهم يوم القيامة منزل ونزل سجين ثم هم يوم القيامة مع ذلك محجوبون عن رؤية ربهم، وخالقهم.
قال الإمام أبو عبد الله الشافعي في هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه -عز وجل- يومئذ، وهذا الذي قاله الإمام الشافعي -رحمه الله- في غاية الحسن، وهو استدلال بمفهوم هذه الآية كما دل عليه منطوق قوله: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ﴿22﴾ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴿23﴾﴾ [القيامة: 22، 23].
نعم، هذا المثال الآن الكلام الأول إلى قوله: "وخالقهم" لأنه قال: "لهم يوم القيامة منزل ونزل الذي هو سجين، ثم قال: الحديث مهم يوم القيامة مع ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم، هذا الآن تفسير؟ أو خارج عن حد التفسير؟ هذا تفسير.
طيب لو نأتي الآن إلى قول الإمام أبي عبد الله الشافعي -رحمه الله تعالى- طبعاً هو جاءه كما يقال جاءه رسالة من الصعيد عن هذه الآية، فقال: لما حجب قوما في حال السخط دل على أن قوماً يرونه في حال الرضا، هذا كلام الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-، كلامه الآن هل تعده من التفسير أو من الاستنباط؟ تعده من الاستنباط، لاحظ الآن أنا جئت بهذا المثال قصداً لأنه قد يقول قائل: المفهوم من الآية يدخل في ماذا؟ في التفسير، ما دام المفهوم لا يخالف هذا المنطوق أو النص، التنازع الذي قد يقع مثلاً بيني وبينك في هذا المثال، هل يؤثر على أصل القضية عندي وعندك في أن ما كان من المعلومات فيه بيان فهو من التفسير؟ نقول لا يؤثر، إذا اتفقنا على الأصل، فقد نختلف في ماذا؟ في الأمثلة، قد تقول أنت هذا المثال أنا عندي أنه يدخل، لأن الآية دلت عليه دلالة واضحة جداً جداً، وهذا قال به الشافعي ونسب أيضاً إلى مالك، وقال به غيرهم من السلف، بل لم يخالف الشافعي أحد في هذا الذي ذكره من أهل السنة، فنقول: قد نتنازع نحن في هذا المثال، لكن لا يؤثر على الأصل، فإذا اتفقت معي على الأصل الذي ذكرته لك قبل قليل، وهو أن ما كان بياناً للمعاني فهو التفسير، وما خرج عن حد البيان فهو ليس من التفسير فلا يؤثر الاختلاف في مثال من الأمثلة، ولهذا الأول نحن استعرضنا أمثلة كثيرة قد نختلف في بعض الأمثلة ولابد لأن وجهات النظر تختلف، لكننا نكون متفقين على ماذا؟ على الأصل السابق الذي ذكرناه.
نأتي الآن إلى الموضوع الأخير فيما يتعلق بهذه القضية التي ذكرناها إلى أنه قسمنا صلب التفسير وعلوم القرآن وعلوم أخرى، والعلوم الأخرى قلنا إنها علوم إسلامية وعلوم عامة.
قد يقول قائل: ما الفائدة من تقسيم معلومات كتب التفسير؟ ماذا نستفيد؟ بعد ذلك الآن ذكرت لنا أن هناك صلب تفسير، وذكرت أنا هناك علوم القرآن في كتب التفسير، وذكرت أن فيه علوم أخرى، سواء كانت علوم إسلامية أو غير إسلامية يعني علوم متنوعة، أياً كانت فما الفائدة من هذا؟ نعم.