نأتي الآن إلى التفسير اصطلاحاً:
ما هو التفسير اصطلاحاً؟ نحن الآن أخذنا في المعنى اللغوي أن التفسير ما هو؟ كشف و إيضاح وبيان، المفسر هنا ما هو؟ القرآن، طيب بما أن المفسر القرآن فماذا نريد إذا قلنا تفسير القرآن؟
المقصود به: بيان معاني القرآن.
نعم، هذا هو التعريف المختصر لمصطلح التفسير، وإلا لو رجعنا إلى تعريفات العلماء قد نجد ما هو أطول من هذا، لكن هذا هو التعريف الذي يمكن أن يصدق عليه هذا المصطلح، لماذا؟ لأننا سنأتي بعد قليل حينما نأخذ معلومات كتب التفسير سيتبين لنا صحة هذا التعريف؛ لأنه ما المراد من المفسر من حيث هو مفسر لا من حيث هو مستنبط ومبين لجمل ما في القرآن من علوم؟ نريد مفسر يبين لنا المعنى، فأنا حينما أسأل عن قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ﴾ ما معنى هذا الكلام؟ إذا قال معناه كذا، كذا، كذا تبين التفسير وانتهى. لكن إذا قال: ﴿ هَارٍ ﴾ فيها قراءتان إذا وقفت يكون فيها إمالة، وكذا هذا دخلت فيه علم القراءات، وعلم القراءات موجود في كتب التفسير، فهل نعد هذا من تفسير أو لا؟ سيأتي بعد قليل إيضاح هذا.
لكن المقصد من ذلك أننا الآن نحدد مصطلحات، فما هو المصطلح الذي يصدق على تفسير القرآن؟ هو أنه بيان معاني القرآن، أو الكشف عن معاني القرآن، أو إيضاح معاني القرآن، لكن لو تأملت في استخدامات العلماء، ما تجد أن أحداً منهم -يقل جدا-ً يقول شرح القرآن، لكنه لما يأتي إلى السنة النبوية ماذا نقول نحن؟
شرح.
أي نعم، شروح الحديث، كتب شروح الحديث، إذن كأنه صار أشبه بماذا؟ بالمصطلحات التي تخصص، وإلا نحن في الحقيقة نشرح، هو شرح هنا وهنا، لكن كثر إطلاق مادة التفسير على القرآن، وإطلاق الشرح على ماذا؟ على السنة النبوية وكذلك على شروح الأشعار أيضاً، فصارت هناك مصطلح الشرح، لذلك تجد من يستخدم كلمة التفسير في شروح الأشعار أيضاً، فإذا تأملنا سنجد أن لفظ التفسير كأنها صارت أشبه بالعلم الأغلب على تفسير القرآن.
نأتي الآن إلى التفسير، الآن نريد أن ندخل في هذا الموضوع الذي هو موضوع التفسير لنبينه لأن عندنا الآن أصول التفسير فنحتاج أن نستطرد في المراد بالتفسير وما في كتب التفسير لكي نصحح ما ذكرناه قبل قليل من أن التفسير هو بيان المعاني، وكذلك لننبه على أننا حينما نناقش أصول التفسير فإن الأصل أن نناقش ما يتعلق ببيان المعاني، كأننا نقول: أصول بيان معاني القرآن، التي هي أصول التفسير، يبقى أصول بيان معاني القرآن.
أما ما يخرج عن هذا فإنه سيكون من علوم أخرى كما سيتضح بعد قليل.
يرد عندنا الآن سؤال: هل كل المعلومات الواردة في كتب التفسير تعد من صلب التفسير ومن التفسير؟ هذا سؤال. إذا نظرنا الآن إلى كتب التفسير نجد مثلاً كتاب فيه عشرين مجلد، وكتاب في مجلد واحد، وهذا فسر جميع القرآن، وهذا فسر جميع القرآن. فهل اختلفت المادة التفسيرية عند صاحب المجلد عنها عند صاحب العشرين مجلد؟ ماذا دخل من العلوم عند صاحب العشرين مجلد؟ ولا نجدها عند صاحب المجلد؟ لأننا نقول مثلاً تفسير مثلاً "تفسير الجلالين"، نعده تفسيراً، "الوجيز" للواحدي في مجلد ونعده تفسيراً، ثم نأتي "اللباب" لابن عادل في عشرين جزء، في عشرين مجلد، أو "التحرير والتنوير".. ابن عاشور، أو "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي، ومجلدات كل هذه كتبت في مجلدات، ومع ذلك نقول هذا تفسير، وهذا تفسير.
فإذن نحن نحتاج لنتأمل في هذه المعلومات الواردة في كتب التفسير هل كلها تدخل في كتب التفسير أو لا؟
لو تأملنا يمكن أن نقسم المعلومات إلى تقسيمات متعددة، وأحب أن أنبه هنا إلى أن هذه التقسيمات تقسيمات ماذا؟ فنية، بمعنى أن ما أقسمه أنا لكم الآن قد يأتي آخر ويقسمه تقسيماً آخر، القضية فيها ماذا؟ فيها سعة في الاختلاف، ويدخل باب اختلاف التنوع، وإن اتفقنا على الأصل وهو أنه يوجد في كتب التفسير ما ليس من التفسير، قضية كيف نصنف هذه المعلومات الموجودة، هذه قضية فيها سعة، فيمكن أن تصنف أنت تصنيفاً وأصنف أنا تصنيفاً، ويصنف آخر تصنيفاً آخر، هذا الأمر فيه سعة في هذا.
عندي أن التصنيف يمكن أن نصنف كتب أو معلومات كتب التفسير إلى ثلاثة أقسام:
صلب التفسير، وعلوم القرآن، علوم أخرى.
طبعاً الآن لما نأتي إلى نقول: صلب التفسير، علوم القرآن، علوم أخرى، قد يسأل سائل ويقول: هل علم التفسير من علوم القرآن أو ليس من علوم القرآن؟
علم التفسير أليس من علوم القرآن؟ طيب فلماذا أفردناه ثم قلنا: صلب التفسير، ثم قلنا علوم القرآن؟ لأننا الآن نريد أن ننبه أن هذه الكتب، كتب التفسير تحتوي على هذه المواد، فتحتوي على المادة الأهم التي هي صلب التفسير، لو رجعنا إلى الكلام السابق قبل قليل، قلنا أن عندنا أحد العلماء كتب تفسير القرآن كاملاً في مجلد، وبعضهم كتب عشرين مجلد مثلاً، بل بعضهم قد يكون أكثر، فالذي اتفقوا عليه ما هو؟ الذي اتفق فيه جميع هؤلاء ما هو؟ الذي هو صلب التفسير، اتفقوا في ماذا؟ في صلب التفسير، الذي سيقع الاختلاف بينهم فيه ما هو؟
علوم القرآن والعلوم الأخرى.
إذن الإضافات التي جاءت في المجلدات المتعددة سيدخل كثير منها إما في علوم القرآن وإما في العلوم الأخرى.
لو أردنا أيضاً أن ننظر ما الذي يدخل في صلب التفسير؟ يعني نذكر بعض الموضوعات التي تدخل في صلب التفسير من المعلومات؟ هل بيان المفردة من صلب التفسير أو لا؟
نعم.
نقول: نعم؛ لأنه يقوم عليها ماذا؟ الفهم، لأنه لو جهلنا معنى مفردة، ما فهمنا المعنى العام للآية.
سبب النزول، هل سبب النزول يدخل في صلب التفسير أو ما يدخل؟ أيضاً يدخل، لماذا؟ لأن أسباب النزول الأصل فيها أنها تعين على فهم المعنى؛ لأنها أشبه بالسياقات الحالية للكلام، فإذا فهمنا الملابسات هذه، فإننا نفهم المعنى.
وسنلاحظ -إن شاء الله- لاحقاً حينما نأتي في شرح مقدمة الشيخ -رحمه الله- سنلاحظ أن أسباب النزول تحدد لنا المدلول المراد، إذا احتمل النص غيره، بمعنى أنه لو جئنا بالنص مجرداً، هذا يحتمل أكثر من معنى من جهة اللغة، لكن يأتي سبب النزول، ويحدد أن المعنى هو هذا، وليس المعنى الآخر، وهذا -إن شاء الله- سيأتي لاحقاً، لكن أقصد من ذلك أننا أدخلناه في صلب التفسير؛ لأنه يؤثر في فهم المعنى، ونحن قلنا بيان معاني القرآن.
كذلك لما نأتي إلى الناسخ والمنسوخ، الناسخ والمنسوخ بمصطلح السلف، سواء كان نسخ للأحكام الشرعية، أو كان تقييد مطلق، أو كان تخصيص عام، أو كان بيان مجمل، أو كان استثناء سنلاحظ أيضاً هذه كلها تدخل في ماذا؟ في صلب التفسير؛ لأنه ينبني عليها فهم معنى.
كذلك أيضاً عندنا الحكم المنصوص عليه في الآية، المنصوص عليه وليس المستنبط الذي بعد النص، لأن ما هو منصوص عليه أيضاً سيدخل في بيان المعنى، لأنه حينما نبين المعنى الشرعي المنصوص عليه فإنه لا شك أنه من علم ماذا؟ التفسير.
أما علوم القرآن فيمكن نقسمها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: علوم السورة.
القسم الثاني: علوم الآية.
القسم الثالث: الاستنباطات.
علوم السورة ما هي؟ هي التي يقدم المفسرون بها تعريفاً عن السورة، اسم السورة، فضل السورة، مكان نزول السورة، عدد آيات السورة، كل ما يتعلق بعلوم السورة، وموضوعات السورة، مقصد السورة إلى آخره، كل هذا نعتبره من ماذا؟ من علوم السورة، طبعاً علوم السورة هي جزء من علوم القرآن، لكن هنا ملحوظة من باب الفائدة، أن علوم السورة الأصل فيها أنه لا أثر لها في صلب التفسير، علوم السورة لا أثر لها في صلب التفسير، بمعنى أنني إذا علمت أن من قرأ "قل هو الله أحد" ثلاث مرات إنها تعدل إيش؟ ثلث القرآن، يعني من قرأ "قل هو الله أحد" تعدل ثلث القرآن، هل هذا يؤثر فهمي لمعنى الآيات؟ ما يؤثر.
أو إذا علمت أن اسم هذه السورة "الإخلاص" أو أن اسمها "الصمد" أيضاً لا يؤثر على فهم المعنى.
وإنما يتبين المعنى، ولو لم أعرف هذه المعلومات، أقصد بذلك أن ننتبه؛ لأن علوم السورة الأصل فيها عدم دخولها في صلب التفسير.
نأتي الآن إلى علوم الآية، علوم الآية المرتبطة بعلوم القرآن، أيضاً نفس القضية، قد بعض الآيات يكون لها اسم، بدل ما أطول آية في القرآن؟ لاحظ سميناها آية "الدين" صار لها اسم، ما هي أفضل آية في القرآن؟ آية "الكرسي" إذن فيه أسماء لبعض الآيات، فإذن اسم الآية من علوم الآية، قد يكون أحياناً للآية سبب نزول معين، أو لها علاقة بشخص معين أو إلى آخر معلومات مرتبطة بهذه الآية من العلوم التي ترتبط بماذا؟ بعلوم القرآن، مثل علم المبهمات، يعني علم المبهمات.
ومنهم من يقول: قد يأتيكم مثل أحد يقول: القائل المقصود به فلان، هذا يكون تحديد مبهم، وهو من علوم القرآن، لكنه مرتبط بماذا؟ بالآية، فإذن علوم الآية التي لها ارتباط بعلوم القرآن هي المقصود في هذا، وهي أيضاً متعددة يمكن طبعاً نقسمها إلى أقسام كثيرة، مثل ما قسمنا في السورة.
الاستنباط أيضاً من علوم القرآن، وإن كان يمكن أيضاً أن نفرده ونخرجه، لكن علم الاستنباط هو من علوم القرآن، ولو تأملنا سنجد أن الاستنباطات من القرآن لابد لها من ماذا؟ من مقدمات، ما هي هذه المقدمات، يعني نعلم علوما التي تسمى علوم إيش؟ الآلة بالذات فعلوم الآلة مساعدة على ماذا؟ على الاستنباط، عندنا من علوم الآلة وهي العلوم الأخرى، سندخل في العلوم الأخرى، والعلوم الأخرى ممكن نقسمها إلى علوم إسلامية، وعلوم عامة، من علوم الإسلامية مثلاً النحو، اللغة، البلاغة، أصول الفقه، وكذلك الفقه، هذه العلوم إذا علمها المفسر استطاع أن يكون استنباطه حسناً، وعلى قدر ربطه لهذه العلوم يستطيع أن يستنبط، لو لاحظنا بعض المفسرين على سبيل المثال من القريبين من الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله تعالى- أو الشيخ السعدي أو كذلك الشيخ الشنقيطي -رحم الله الجميع- سنجد أن عندهم استنباطات، لما ننظر في هذه العلوم، التي هي العلوم الإسلامية التي علوم الآلة هذه هل هي متكاملة عندهم أو لا؟ سنجد أنها متكاملة عندهم، ولذلك كان عندهم دقائق في الاستنباط وحسن في الاستنباط، وقس على ذلك غيرهم من المفسرين، بمعنى أنه كل ما كان عند المفسر هذه العلوم التي هي علوم الآلة كان استنباطه أكثر، وكان حسناً.
عندنا أيضاً العلوم الأخرى والعلوم العامة، قد تكون علوم كونية، قد تكون علوم تاريخية، قد تكون مرتبطة بأنساب، بل قد أحياناً تكون مرتبطة بعلوم غير إسلامية، مثل علم الفلسفة أو علم المنطق، أو غيره، معلومات كثيرة جداً جداً، قد نجدها في بعض التفاسير ليس في كل التفاسير.
هذه تقريباً مجمل العلوم التي نجدها في كتب التفسير، فنرجع بعد ذلك هل كل هذه المعلومات الواردة في كتب التفسير تعد من التفسير؟ ننظر الآن إلى اعتراضات العلماء على بعض المفسرين لتدلنا على أنه بالفعل علماء التفسير ومفهوم التفسير كان عندهم تنبه إلى أنه قد دخل في كتب التفسير ما ليس من علم التفسير، ولعل المقولة المشهورة عن كتاب الرازي أنه يقال فيه كل شيء إلا التفسير، تدلنا على ما ذكرت لكم، أنه لا يلزم أن كل ما في هذه كتب من التفسير.