--------------------------------------------------------------------------------
كنّا ثلاثة أصدقاء وكان الشّيطان رابعنا !
يقولُ الرّاوي : لا أعرفُ كيف أروي لكم هذه القصّة التي حدثَتْ معي منذ فترة , فغيَّرَتْ مَجرى حياتي كلّها ! والحقيقة أنّني لم أُقرِّر أن أكشفَ عنها إلاَّ بعد إحساسي بالمسؤوليَّة تجاه اللَّه عزَّ وجلّ , ولِيَعتَبِرَ بها بعضُ الشَّباب الذين يَعصُون ربَّهم وبعض الفتيات اللاَّتي يَسعَيْن وراء وَهْمٍ زائف اسمُه : الحبّ !
كُنّا ثلاثة من الأصدقاء يَجمع بيننا الطَّيشُ والعُجب . كَلاَّ , بلْ أربعة , فقد كان الشَّيطانُ رابعنا ! فكنَّا نذهبُ لِاصطياد الفَتيات السَّاذجات بالكلام المعسول , ونَستدرجُهنَّ إلى المزارع البعيدة ، وهناك يُفاجَأن بأنَّنا قد تَحوَّلْنا إلى ذئابٍ لا تَرْحم تَوسُّلاتهنّ , بعد أن ماتَتْ قلوبُنا ومات فينا الإحساس ! هكذا كانتْ أيّامُنا وليالينا , في المزارع والمخيَّمات والسَّيَّارات وعلى الشّواطئ .
إلى أن جاء اليَومُ الذي لا أنساه : ذهبنا كالمعتاد إلى المزرعة حيثُ كان كلُّ شيء جاهزًا : الفَريسة لكلِّ واحد منَّا , والشَّراب الملعون . شيءٌ واحدٌ نَسيناه هو الطَّعام . فذهبَ أحدُنا بسيَّارته لِشرائه , وكانت السَّاعة تُشير إلى السّادسة تقريبًا عندما انطلقَ . مرَّت السَّاعاتُ دون أن يعود , وفي العاشرة , شعرتُ بالقلق عليه , فانطلقتُ بسيَّارتي أبحث عنه . وفي الطَّريق ، فُوجئتُ بسيَّارة صديقي والنَّارُ تَلتهمُها , وهي مقلوبةٌ على أحد جانبَيْها !
أسرعتُ كالمجنون أحاول إخراج صديقي من السَّيَّارة المشتعلة , فذُهلْتُ عندما وجدتُ نصفَ جسده وقد تَفحَّم تَمامًا , لكنَّه لا يزالُ على قيد الحياة . فنَقلْتُه إلى الأرض ، وبعد دقيقة فتحَ عَيْنيه وأخذ يَهذي : النَّار ! النَّار ! فقرَّرتُ أن أحمله بسيَّارتي وأُسرع به إلى المستشفى , لكنَّه قال لي بصوتٍ باكٍ : لا فائدة .. لن أَصِل !
فخَنقَتْني الدُّموع وأنا أرى صديقي يَموتُ أمامي , ثمّ فُوجئتُ به يصرخ : ماذا أقول له ؟! ماذا أقول له ؟!
نظرتُ إليه بدهشة , وسألْتُه : من هو ؟! فقال بصوت كأنَّه قادمٌ من بئر عميق : اللّه !
أحسستُ بالرُّعب يجتاح جسدي ومَشاعري . وفجأة أطلقَ صديقي صرخةً مُدوِّيَة , ولفظَ آخر أنفاسه .
ومضت الأيّام , لكنَّ صورة صديقي الرَّاحل لَم تُفارقْ مُخيّلَتي وهو يصرخ والنَّار تَلتهمُه : ماذا أقول له ؟! ماذا أقول له ؟! ووجدتُ نفسي أتساءل : وأنا ماذا سأقول له ؟!
ففاضتْ عيناي , واعْترَتْني رعشة غريبة . وفي نفس اللَّحظة , سمعتُ المؤذِّن يؤذِّن لصلاة الفجر مناديًا : اللّه أكبر , اللّه أكبر . وعندما نادى : حيّ على الصَّلاة , أحسستُ أنّه نداء خاصّ لي يَدعوني إلى طريق النّور والهداية . فاغتسلتُ وتَوضَّأتُ , وطهَّرتُ جسدي من الرَّذيلة التي غَرقتُ فيها لِسَنوات , وأدَّيْتُ الصَّلاة . ومِن يَومها , لم يَفُتْنِي فَرْض .
أحمدُ اللَّهَ الذي لا يُحْمد سِواه . لقد أصبحتُ إنسانًا آخر , فسُبحان مُغَيِّر الأحوال . وبإذن اللَّه تعالى أستعدُّ للذَّهاب لأداء العُمرة , وإن شاء اللّه الحجّ . فمَن يَدري ، الأعمارُ بيد اللَّه سُبحانه وتعالى !